وحدها أشجار طريق الشام تشهد على آلام ضحايا #المجاعة الكبرى التي قتلت ثلث سكان لبنان. ولو كان لتلك الكائنات الحية القدرة على النطق، لروت فظائع لم يتخيّلها عقل بشري. ولأن الأمر مستحيل، كانت "شجرة الذاكرة" التي انضمت الى شقيقاتها على طريق الشام لتنطق أوراقها بما يعجزون هم عنه في ظل غياب أي نصب تذكاري وطني لمجاعة (1915-1918). اليوم وبعد مرور أكثر من مئة عام، تُعيدنا "شجرة الذاكرة" الى حلقة من تاريخ لبنان ضُرِبَ عليها ستار من النسيان، ووصفها بعضهم بأنها كانت حرب إبادة جماعية، وهو ما أثار الكثير من الجدل.
"شجرة الذاكرة" نصب تذكاري للمجاعة الكبرى (1915 – 1918) تمارا سعادة.
يقال إن اللبنانيين يعانون فقداناً جماعياً للذاكرة، وإن بيروت عصيّة على استذكار ماضيها العنيف. ويُقالُ أيضاً أن هؤلاء اللذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بتكراره. انطلاقاً من ذلك وُلِدَت قبل نحو السنتين والنصف رغبةً بخلق نصب تذكاري وطني للمجاعة، فبادر الدكتور في الجامعة اليسوعية كريستيان توتل والكاتب رمزي توفيق سلامة إلى طرح الفكرة واختارا الفنان التشكيلي يزن حلواني لتنفيذها على الرصيف المقابل لمدخل الجامعة اليسوعية - الطبيّة، ضمن ساحة صغيرة إلى جانب السفارة الفرنسية. تكفّل مصرف لبنان بالدعم المالي وجاء التعاون من محافظ بيروت زياد شبيب وبلدية المدينة.
ويقول حلواني لـ"النهار": "إن "شجرة الذاكرة" تذكّر اللبنانيين بالتاريخ ليتعلموا منه ويتعظوا لكونهم لا يتحكمون بمصير بلدهم، فيتعرضون لأحداث تهدد وجودهم هذا ما حصل قبل مئة عام، وتكرر في اشكال مختلفة من حروب وما شابه وقد يتكرر في اي حقبة زمنية في حال لم نتعظ من الماضي".
بعد عام من العمل ولدت "شجرة الذاكرة" حاملةً في داخلها ذاكرة الناس. ويشرح حلواني فكرتها: "قاعدة حديدية سوداء تتفرع منها أغصان وأوراقها ذهبية اللون تتخذ من الخط العربي شكلا لها وكل ورقة تنطق بعبارة كتبها من عاصروا زمن المجاعة مثل جبران خليل جبران، وتوفيق يوسف عواد، أنبارا سلام الخالدي وآخرين".
من تلك العبارات "مات أهلي وأنا على قيد الحياة" لجبران فشكلت الشجرة القبر الرمزي لضحايا "المجاعة الكبرى". ذلك الحدث الذي لم يحظَ شأنه في ذلك شأن العديد من المناسبات الأخرى، بتذكار يسمح له له بالبقاء في الذاكرة العامة الى أن ولدت "شجرة الذاكرة".